فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن عبد البر في الاستذكار عن اياس بن عامر قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت: إن لي أختين مما ملكت يميني، اتخذت إحداهما سرية وولدت لي أولادًا، ثم رغبت في الأخرى فما أصنع؟ قال: تعتق التي كنت تطأ، ثم تطأ الأخرى، ثم قال: إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد. أو قال: إلا الأربع، ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن علي أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى. قال: لا. حتى يخرجها من ملكه قيل: فإن زوجها عبده؟ قال: لا. حتى يخرجها من ملكه.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود.
أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه. فقيل: يقول الله: {إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] فقال: وبعيرك أيضًا مما ملكت يمينك.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عمار بن ياسر قال: ما حرم الله من الحرائر شيئًا إلا قد حرمه من الإماء إلا العدد.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين: أحلتهما آية وحرمتهما آية، ولا آمر ولا أنهى، ولا أحل ولا أحرم، ولا أفعله أنا ولا أهل بيتي.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن عكرمة قال: ذكر عند ابن عباس قول علي في الأختين من ملك اليمين؟ فقالوا: إن عليًا قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. قال ابن عباس عند ذلك: أحلتهما آية وحرمتهما آية، إنما يحرمهن علي قرابتي منهن ولا يحرمهن عليّ قرابة بعضهن من بعض، لقول الله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24].
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عمر قال: إذا كان للرجل جاريتان أختان، فغشي إحداهما فلا يقرب الأخرى حتى يخرج الذي غشي عن ملكه.
وأخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمد. أن حيًا سألوا معاوية عن الأختين مما ملكت اليمين يكونان عند الرجل يطؤهما؟ قال: ليس بذلك بأس. فسمع بذلك النعمان بن بشير فقال: أفتيت بكذا وكذا...؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان عند الرجل أخته مملوكة يجوز له أن يطأها؟ قال: أما والله لربما وددتني أدرك، فقل لهم اجتنبوا ذلك فإنه لا ينبغي لهم فقال: إنما هي الرحم من العتاقة وغيرها.
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها».
وأخرج البيهقي عن مقاتل بن سليمان قال: إنما قال الله في نساء الآباء {إلا ما قد سلف} لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء، ثم حرَّم النسب والصهر فلم يقل {إلا ما قد سلف} لأن العرب كانت لا تنكح النسب والصهر. وقال في الأختين {إلا ما قد سلف} لأنهم كانوا يجمعون بينهما فحرم جمعهما جميعًا إلا ما قد سلف قبل التحريم {إن الله كان غفورًا رحيمًا} لما كان من جماع الأختين قبل التحريم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن وهب بن منبه.
أنه سئل عن وطء الأختين الأمتين؟ فقال: أشهد أنه فيما أنزل الله على موسى عليه السلام، أنه ملعون من جمع بين الأختين.
وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عمر بن الخطاب. أنه سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحداهما بعد الأخرى؟ فقال عمر: ما أحب أن أجيزهما جميعًا ونهاه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس. أنه سئل عن الرجل يقع على الجارية وابنتها يكونان عنده مملوكتين، فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية، ولم أكن لأفعله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي. أنه سئل عن ذلك؟ فقال: إذا أحلت لك آية وحرمت عليك أخرى، فإن أملكهما آية الحرام ما فصل لنا حرتين ولا مملوكتين.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن الضريس عن وهب بن منبه قال: في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ما فصل لنا حرة ولا مملوكة.
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال: من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (24):

قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر مضارة الجمع أتبعه مضارة الإغارة على الحق والأول جمع بين المنكوحين وهذا جمع بين الناكحين فقال- عاطفًا على النائب عن فاعل {حرمت}: {والمحصنات} أي الحرائر المزوجات لأنهن منعت فروجهن بالنكاح عن غير الأزواج {من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} أي من أزواج أهل الحرب، فإن الملك بالأسر يقطع النكاح.
ولما أتم ذلك قال مؤكدًا له ومبينًا عظمته: {كتاب الله} أي خذوا فرض الملك الأعظم الذي أوجبه عليكم إيجاب ما هو موصول في الشيء بقطعه منه، والزموه غير ملتفتين إلى غيره، وزاد في تأكيده بأداة الوجوب فقال: {عليكم} ولما أفهم ذلك حل ما سواه أفصح به احتياطًا للإيضاح وتعظيمًا لحرمتها في قوله: {وأحل لكم} وبين عظمة هذا التحريم بأداة البعد فقال: {ما وراء ذلكم} أي الذي ذكر لكم من المحرمات العظيمة.
ولما كان الكلام في المنع لمن يصرح بالفاعل بل قال؛ حرمت- ترفقًا في الخطاب حثًا على الآداب، فلما وصل الأمر إلى الحل أظهره تطييبًا للقلوب وتأنيسًا للنفوس في قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر بفتح الهمزة والحاء، وأبهمه في قراءة الباقين على نسق {حرمت} لأن فاعل الحل والحرمة عند أهل هذا الكتاب معروف أنه الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه أصلًا، ثم أتبع التحليل علته فقال: {أن} أي إرادة أن {تبتغوا} أي تطلبوا متبعين من شئتم مما أحل لكم {بأموالكم} اللاتي تدفعونها مهورًا حال كونكم {محصنين} أي قاصدين بذلك العفة لأنفسكم ولهن {غير مسافحين} أي قاصدين قضاء الشهوة وصب الماء الدافق لذلك فقط، وهو على هذا الوجه لا يكون إلا زنًى سرًا وجهرًا، فيكون فيه حينئذ إضاعة المال وإهلاك الدين، ولا مفسدة أعظم مما يجمع هذين الخسرانين.
ولما تقدم أول السورة وأثناءهها الأمر بدفع الصداق والنهي عن أخذ شيء مما دفع إلى المرأة، وكان ذلك أعم من أن يكون بعد الدخول أو قبله، مسمى أو لا قال هنا مسببًا عن الابتغاء المذكور: {فما استمتعتم} أي أوجدتم المتاع وهو الانتفاع {به منهن} بالبناء بها، متطلبين لذلك من وجوهه الصحيحة راغبين فيه {فآتوهن أجورهن} أي عليه كاملة، وهي المهور {فريضة} أي حال كونها واجبة من الله ومسماة مقدرة قدرتموها على أنفسكم، ويجوز كونه تأكيدًا لآتوا بمصدر من معناه {ولا جناح} أي حرج وميل {عليكم فيما تراضيتم به} أي أنتم والأزواج {من بعد الفريضة} أي من طلاق أو فراق أو زيادة أو نقص إن كانت موجودة مقدرة، أو من مهر المثل من بعد تقديره إن لم تكن مسماة فيمن عقد عليها من غير تسمية صداق.
ولما ذكر في هذه الآيات أنواعًا من التكاليف هي في غاية الحكمة، والتعبير عنها في الذروة العليا من العظمة، وختمها بإسقاط الجناح عند الرضى وكان الرضى أمرًا باطنًا لا يطلع عليه حقيقة إلا الله تعالى، حث على الورع في شأنه بنوط الحكم بغلبة الظن فقال مرغبًا في امتثال أوامره ونواهيه: {إن الله} أي الذي له الإحاطة التامة علمًا وقدرة {كان عليمًا} أي بمن يقدم متحريًا لرضى صاحبه أو غير متحرٍّ لذلك {حكيماَ} أي يضع الأشياء في أمكن مواضعها من الجزاء على الذنوب وغيره. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{والمحصنات} في كل القرآن بكسر الصاد إلاّ قوله: {والمحصنات من النساء} على الباقون بالفتح {وأحل} مبنيًا للمفعول: يزيد وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقون: مبنيًا للفاعل {أحصن} بفتح الهمزة والصاد: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير حفص. الباقون: {أحصن} بضم الهمزة وكسر الصاد. {تجارة} بالنصب: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير حفص. الباقون: بالرفع.

.الوقوف:

{دخلتم بهن} الأولى (ز) لابتداء الشرط مع اتحاد المقصود {فلا جناح عليكم} ز لذلك فإن جملة الشرط معترضة {أصلابكم} لا للعطف {سلف} ط {رحيمًا} o لا للعطف {أيمانكم} ج لأن {كتاب الله} يحتمل أن يكون مصدر التحريم لأنه في معنى الكتابة، ويحتمل أن يكون مصدر محذوف أي كتب الله كتابًا، والأحسن أن يكون مفعولًا له أي حرمت لكتاب الله. من قرأ {وأحل} بالفتح لم يحسن الوقف له على {عليكم} للعطف على {كتب}، ومن قرأ {وأحل} بالضم عطفًا على {حرمت} جاز له الوقف لطول الكلام {مسافحين} ط لابتداء حكم المتعة {فريضة} ط {الفريضة} o {حكيمًا} o {فتياتكم المؤمنات} ط {بإيمانكم} ط {من بعض} ج لعطف المختلفين {أخدان} ج لذلك {من العذاب} ط {العنت منكم} ط {خير لكم} ط {رحيم} o {ويتوب عليكم} ط {حكيم} o {عظيمًا} o {يخفف عنكم} ج لانقطاع النظم مع اتحاد المعنى أي يخفف لضعفكم {ضعيفًا} o {أنفسكم} ط {رحيمًا} o {نارًا} ط {يسيرًا} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والمحصنات} عطف على المحرّمات والمذكورات قبلُ.
والتّحَصُّن: التمنّع؛ ومنه الحِصْن لأنه يُمتنع فيه؛ ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] أي لتمنعكم؛ ومنه الحصان للفرس (بكسر الحاء) لأنه يمنع صاحبه من الهلاك.
والحصان (بفتح الحاء): المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك.
وحَصُنت المرأة تَحْصُن فهي حَصان؛ مثل جبنت فهي جبان.
وقال حَسَّان في عائشة رضي الله عنها:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِريبةٍ ** وتُصبِح غرثى من لحُومِ الغَوَافِل

والمصدر الحصانة (بفتح الحاء) والحِصن كالعِلْم.
فالمراد بالمحصنَات هاهنا ذوات الأزواج؛ يُقال: امرأة مُحْصنة أي متزوّجة، ومحصِنة أي حُرّة؛ ومنه {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [المائدة: 5].
ومحصِنَة أي عفيفة؛ قال الله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25] وقال: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}.
ومُحصَنَة ومُحْصِنة وحَصان أي عفيفة، أي ممتنعة من الفسق؛ والحرّية تمنع الحُرّة مما يتعاطاه العبيد.
قال الله تعالى: {والذين يَرْمُونَ المحصنات} [النور: 4] أي الحرائر، وكان عُرْف الإماء في الجاهلية الزّنى؛ ألا ترى إلى قول هِند بنتِ عُتبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم حين بايعته: وَهَلْ تَزْنِي الحُرّة؟ والزوج أيضًا يمنع زوجه من أن تَزوّج غيره؛ فبِناء (ح ص ن) معناه المنع كما بيّنا.
ويستعمل الإحصان في الإسلام؛ لأنه حافظ ومانع، ولم يرد في الكتاب وورد في السنة؛ ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الإيمان قَيْدُ الفَتْكِ» ومنه قول الهُذَلِيّ:
فليس كعهدِ الدّار يا أُمَّ مالكٍ ** ولكن أحاطتْ بالرّقاب السلاسِلُ

وقال الشاعر:
قالت هَلُمّ إلى الحديث فقلت لا ** يأبى عليكِ اللَّهُ والإسلامُ

ومنه قول سُحَيم:
كفى الشيبُ والإسلام للمرء ناهيًا

. اهـ.